جدد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، هذا الأسبوع، تعهده الانتخابي بدعوة خبراء أجانب للمساعدة في حل الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بالبلاد، في ظل معاناة إدارته من التضخم المتصاعد، والنقص الحاد، والانهيار المستمر للعملة.
وقال بزشكيان مبررًا تعهده: "لا تستحق إيران أن تتأخر عن جيرانها، في ظل قيادة خامنئي والقدرات الاقتصادية لبلدنا".
لكن إيران ذات تاريخ مرير في الاستعانة بخبراء أجانب واقتصاديين لحل مشكلاتها، منذ أوائل العقد الثاني من القرن العشرين.
فبعد خمس سنوات من الثورة الدستورية عام 1905، أقنع البرلمان الإيراني الأول، الذي كان يسعى لإنشاء مجتمع مدني ديمقراطي على النمط الغربي، محمد علي شاه- الحاكم الذي كان تحت تأثير روسيا- بدعوة مستشار اقتصادي من الولايات المتحدة، التي لم يكن لها طموحات سياسية في إيران، ولم تظهر أي اهتمام باستغلال مواردها، بخلاف روسيا وبريطانيا.
وكان الثوار قد أجبروا ملك السلالة القاجارية، مظفر الدين شاه، على الموافقة على انتخاب برلمان (مجلس) وإنشاء صحافة حرة نسبيًا، إلى جانب إصلاحات أخرى. لكن الملك تُوفي بعد أشهر قليلة، وخلفه محمد علي شاه.
وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة غير مهتمة بالطموحات الإقليمية إلى درجة أنها رفضت طلب إيران في البداية. لكن مع الإصرار الإيراني، رشحت الحكومة الأميركية ويليام مورغان شوستر، وهو محامٍ وموظف مدني وناشر، الذي تم تعيينه لاحقًا من قِبل البرلمان الإيراني كمدير عام للخزانة. وشغل شوستر المنصب منذ مايو (أيار) إلى ديسمبر (كانون الأول) من العام 1911.
وبذل شوستر جهودًا كبيرة لتثبيت الاقتصاد الإيراني الهش، الذي تضرر بشدة بسبب ديون الشاهات القاجاريين لروسيا وبريطانيا. لكن إصلاحاته، التي هدفت إلى استعادة الاستقلال المالي، اصطدمت بروسيا وبريطانيا، اللتين عرقلتا عمله عبر وكلائهما في إيران، بل واحتلت القوات الروسية أجزاءً من شمال البلاد، كما اتهمت روسيا شوستر باستخدام الدرك الإيراني لتحصيل الضرائب في مناطق تحت الاحتلال الروسي.
وفي نهاية المطاف، استقال شوستر تحت ضغط روسيا وبريطانيا وعاد إلى الولايات المتحدة، حيث وضع كتابه الشهير "خنق إيران"، الذي فضح فيه التدخل الواسع لبريطانيا وروسيا في شؤون البلاد.
كما عيّنت الحكومة الإيرانية المحامي والاقتصادي البريطاني، آرثر ميلسبو، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، كمستشار مالي. وشغل ميلسبو هذا المنصب في الفترة من 1922 إلى 1927، ثم مجددًا من 1942 إلى 1945 لإصلاح النظام المالي. وبينما كانت فترته الأولى ناجحة نسبيًا، اعتُبرت الثانية فاشلة تمامًا.
وأرجعت الحكومة الإيرانية هذا الفشل إلى "تعجرف" ميلسبو، بينما أشار مراقبون إلى الانقسامات السياسية وعدم الاستقرار والعوائق التي وضعتها جماعات المعارضة كعوامل رئيسة.
وهذه العوامل- الصراعات الفئوية، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وعرقلة المنافسين، والخوف المتجذر من الأجانب الذي تعمّق تحت أيديولوجيا الجمهورية الإسلامية المناهضة للغرب- ما زالت قائمة في إيران اليوم.
وعلى الرغم من سيطرة الدولة أو كيانات مرتبطة بها على 80% من الاقتصاد، فإن هناك تصارعًا بين هذه التيارات، بدءًا من رجال الدين إلى الحرس الثوري الإيراني والعائلات النافذة. وفي ظل هذا النظام غير التنافسي وغير الشفاف، يبدو إصلاح الاقتصاد أمرًا بعيد المنال.
وحتى إذا تمكن بزشكيان، رغم الصعوبات، من الحصول على موافقة لتوظيف مستشارين دوليين، فإن عملهم سيواجه تحديات كبيرة، تتجلى في الصراعات الداخلية بين التيارات النافذة، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى العقبات التي يضعها الخصوم السياسيون، فضلاً عن النظرة العدائية للأجانب، التي تفاقمت بسبب الأيديولوجية المناهضة للغرب التي يتبناها النظام الإيراني.